كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قتادة: هي ما قبل الإسلام {وَأَقِمْنَ الصلاة وَآتِينَ الزكاة وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس} الإثم الذي نهى الله النساء عنه. قاله مقاتل. وقال قتادة: يعني السوء. وقال ابن زيد: يعني الشيطان.
{أَهْلَ البيت} يعني يا أهل بيت محمّد {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} من نجاسات الجاهلية. وقال مجاهد {الرِّجْسَ} الشكّ {وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرًا} من الشرك.
واختلفوا في المعنيّ بقوله سبحانه: {أَهْلَ الْبَيْتِ} فقال قوم: عنى به أزواج النبي عليه السلام خاصّة، وإنّما ذَكّرَ الخطاب لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان فيهم وإذا اجتمع المذكّر والمؤنّث غُلبَ المذكّر.
أخبرنا عبد الله بن حامد، عن محمّد بن جعفر، عن الحسن بن علي بن عفّان قال: أخبرني أبو يحيى، عن صالح بن موسى عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: أُنزلت هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} الآية في نساء النبيّ صلّى الله عليه. قال: وتلا عبدالله: {واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله والحكمة} [الأحزاب: 34].
وأخبرنا عبد الله بن حامد، عن أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي، عن أحمد بن نجدة عن الحماني عن ابن المبارك عن الأصبغ بن علقمة. وأنبأني عقيل بن محمد قال: أخبرني المعافى ابن زكريا عن محمّد بن جرير قال: أخبرني ابن حميد عن يحيى بن واضح عن الأصبغ بن علقمة، عن عكرمة في قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} قال: ليس الذي تذهبون إليه، إنّما هو في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصّة.
قال: وكان عكرمة ينادي بهذا في السوق. وإلى هذا ذهب مقاتل قال: يعني نساء النبي صلّى الله عليه كلّهن ليس معهنّ رجل.
وقال آخرون: عنى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم عليًا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم.
وأخبرني عقيل بن محمّد الجرجاني عن المعافى بن زكريا البغدادي، عن محمّد بن جرير، حدّثني بن المثنى عن بكر بن يحيى بن ريان الغبري، عن مسدل، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزلت هذه الآية فيَّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}».
وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه قال: أخبرني أبو بكر بن مالك القطيعي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن أبي عبد الله بن نمير، عن عبد الملك يعني ابن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، حدّثني من سمع أُمّ سلمة تذكر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها حريرة فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي زوجكِ وابنَيْكِ، قالت: فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الحريرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة أُصلّي فأنزل الله تعالى هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.
قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهبْ عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا. قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنّك إلى خير، إنَّكِ إلى خير.
وأخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله الثقفي، عن عمر بن الخطّاب، عن عبد الله بن الفضل، عن الحسن بن علي، عن يزيد بن هارون، عن العوّام بن حوشب، حدّثني ابن عمّ لي من بني الحرث بن تيم الله يقال له: مجمع، قال: «دخلت مع أُمّي على عائشة، فسألَتها أُمّي، فقالت: أرأيت خروجك يوم الجمل؟ قالت: إنّه كان قدرًا من الله سبحانه، فسألتها عن علي، فقالت: تسأليني عن أحبّ النّاس كان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وزوج أحبّ الناس كان إلى رسول الله، لقد رأيت عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بثوب عليهم ثمّ قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا. قالت: فقلت: يا رسول الله أنا مِن أهلك؟ قال: تنحّي فإنّكِ إلى خير».
وأخبرني الحسين بن محمّد عن أبي حبيش المقرئ قال: أخبرني أبو القاسم المقرئ قال: أخبرني أبو زرعة، حدّثني عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة، أخبرني ابن أبي فديك حدّثني ابن أبي مليكة عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر الطيّار عن أبيه، قال: لمّا نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرحمة هابطة من السماء قال: من يدعو؟ مرّتين، فقالت زينب: أنا يا رسول الله، فقال: أُدعي لي عليًّا وفاطمة والحسن والحسين. قال: فجعل حسنًا عن يمناه وحسينًا عن يسراه وعليًّا وفاطمة وجاهه ثمّ غشاهم كساءً خيبريًّا. ثمّ قال: اللّهم لكلّ نبيّ أهل، وهؤلاء أهلي، فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} الآية.
فقالت زينب: يا رسول الله ألا أدخل معكم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه: «مكانكِ فإنّكِ إلى خير إن شاء الله».
وأخبرني الحسين بن محمد عن عمر بن الخطّاب عن عبد الله بن الفضل قال: أخبرني أبو بكر بن أبي شيبة عن محمّد بن مصعب عن الأوزاعي، عن عبد الله بن أبي عمّار قال: دخلت على وائلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليًّا فشتموه فشتمته، فلمّا قاموا قال لي: أشتمت هذا الرجل؟ قلت: قد رأيت القوم قد شتموه فشتمته معهم.
فقال: ألا أخبرك ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: أتيت فاطمة أسألها عن علي فقالت: توجّه إلى رسول الله صلّى الله عليه فجلست فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي والحسن والحسين كلّ واحد منهما آخذ بيده حتى دخل، فأدنى عليًا وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنًا وحسينًا كلّ واحد منهما على فخذه، ثمّ لفَّ عليهم ثوبه أو قال كساءه، ثمّ تلا هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحقّ. اهـ.
الكلام الزائد على تفسير الإمام الثعلبى. وبعضه فيه نظر. والله أعلم.
وقيل: هم بنو هاشم. أخبرني ابن فنجويه عن ابن حبيش المقرئ عن محمّد بن عمران قال: حدّثنا أبو كريب قال: أخبرني وكيع عن أبيه عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُنشدكم الله في أهل بيتي مرّتين، قلنا لزيد بن أرقم ومَنْ أهل بيته؟ قال: الذين يحرمون الصدقة آل علي وآل عبّاس وآل عقيل وآل جعفر.
وأخبرني أبو عبد الله، قال: أخبرني أبو سعيد أحمد بن علي بن عمر بن حبيش الرازي عن أحمد بن عبد الرحمن الشبلي أبو عبد الرحمن قال: أخبرني أبو كريب عن معاوية بن هشام عن يونس بن أبي إسحاق عن نفيع أبي داود عن أبي الحمراء قال: أقمت بالمدينة تسعة أشهر كيوم واحد، وكان رسول الله صلّى الله عليه يجيء كلّ غداة فيقوم على باب علي وفاطمة فيقول الصلاة {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.
وأخبرني أبو عبدالله، حدّثني عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك، عن محمّد بن إبراهيم ابن زياد الرازي، عن الحرث بن عبد الله الخازن، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية ابن الربعي، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قسّم الله الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسمًا، فذلك قوله عزّ وجلّ: {وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين} [الواقعة: 27] فأنا خير أصحاب اليمين».
ثمّ جعل القسمين أثلاثًا فجعلني في خيرها ثلثًا، فذلك قوله: {فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة وَأَصْحَابُ المشأمة مَآ أَصْحَابُ المشأمة والسابقون السابقون} [الواقعة: 8- 10] فأنا من السابقين وأنا من خير السابقين ثمّ جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة فذلك قوله: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ} [الحجرات: 13] الآية، وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر.
ثمّ جعل القبائل بيوتًا فجعلني في خيرها بيتًا فذلك قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.
{واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله} يعني القرآن {والحكمة} السنّة، عن قتادة، وقال مقاتل: أحكام القرآن ومواعظه {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}.
وقوله: {إِنَّ المسلمين والمسلمات} الآية. وذلك أنّ أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم وسلم قلن: يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به، إنّا نخاف أن لا تقبل مِنّا طاعة، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية. وقال مقاتل: قالت أُمّ سلمة بنت أبي أمية وأنيسة بنت كعب الأنصارية للنبي صلّى الله عليه: ما بال ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شيء من كتابه؟ نخشى أنْ لا يكون فيهنّ خير ولا لله فيهنّ حاجة، فنزلت هذه الآية.
روى عثمان بن حكم عن عبد الرحمن بن شيبة قال: سمعت أُمّ سلمة زوج النبي عليه السلام تقول: قلت للنبي عليه السلام: يا رسول الله ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟
قلت: فلم يرعني ذات يوم ظهرًا إلاّ بدواة على المنبر وأنا أسرح رأسي فلفقت شعري ثمّ خرجت إلى حجرة من حجر بيتي فجعلت سمعي عند الجريدة، فإذا هو يقول على المنبر: يا أيّها الناس إنَّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه: {إِنَّ المسلمين والمسلمات}.. إلى قوله: {وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
وقال مقاتل بن حيان: بلغني أنّ أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فدخلت على نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ النساء لفي خيبة وخسار، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ومِمَّ ذلك؟ قالت: لأنّهنّ لا يُذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّ المسلمين والمسلمات} إلى آخر الآية.
أخبرني ابن فنجويه عن ابن شبّه عن الفراتي عن إبراهيم بن سعيد، عن عبيد الله عن شيبان، عن الأعمش، عن علي بن الأرقم، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه: «مَن استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا جميعًا ركعتين كُتبا من والذاكرين الله كثيرًا الذاكرات».
وأخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، عن أحمد بن محمد بن شاذان عن جيغويه بن محمد، عن صالح بن محمد عن سليمان بن عمرو، عن حنظلة التميمي، عن الضحّاك بن مزاحم، عن ابن عبّاس قال: جاء إسرافيل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم فقال: قلْ يا محمّد: سُبحان الله والحمدُ لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله عَدد ما علم وزنة ما علم وملء ما علم، من قالها كتبت له ستّ خصال، كتب من الذاكرين الله كثيرًا، وكان أفضل ممّن ذكره الليل والنهار، وكان له غرس في الجنّة، وتحاتت عنه ذنوبه كما تتحات ورق الشجر اليابسة، ونظر الله إليه، ومن نظر الله إليه لم يعذّبه.
وقال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرًا حتى يذكر الله تعالى قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا. قال عطاء بن أبي رباح: مَن فوّض أمره إلى الله فهو داخل في قوله: {إِنَّ المسلمين والمسلمات} ومن أقرّ بأنّ الله ربّه، وأنَّ محمّدًا رسوله، ولم يخالف قلبه لسانه، فهو داخل في قوله: {والمؤمنين والمؤمنات} ومن أطاع الله في الفرض والرسول في السنّة فهو داخل في قوله: {والقانتين والقانتات} ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله: {والصادقين والصادقات} ومن صلّى فلم يعرف مَن عن يمينه ويساره فهو داخل في قوله: {والخاشعين والخاشعات} ومن صبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الرزيّة فهو داخل في قوله: {والصابرين والصابرات} ومن تصدّق في كلّ اسبوع بدرهم فهو داخل في قوله: {والمتصدقين والمتصدقات} ومن صام في كلّ شهر أيّام البيض، الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله: {والصائمين والصائمات} ومن حفظ فرجه عمّا لا يحلّ فهو داخل في قوله: {والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات} ومن صلّى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله: {والذاكرين الله كَثِيرًا والذاكرات أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
قوله عزّ وجلّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} الآية. نزلت في زينب بنت جحش بن رئاب ابن النعمان بن حبرة بن مرّة بن غنم بن دودان الأسدية، وأخيها عبد الله بن جحش، وكانت زينب بنت آمنة بنت عبد المطلب عمّة النبي صلى الله عليه وسلم فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى زيدًا في الجاهلية من عكاظ، وكان من سبي الجاهلية فأعتقه وتبنّاه، فكان زيد عربيًّا في الجاهلية مولى في الإسلام.
فلمّا خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضيت، ورأت أنّه يخطبها على نفسه فلمّا علمت أنّه يخطبها على زيد أبت وأنكرت وقالت: أنا أتمّ نساء قريش وابنة عمّتك، فلم أكن لأفعل يا رسول الله ولا أرضاه لنفسي، وكذلك قال أخوها عبد الله، وكانت زينب بيضاء جميلة، وكانت فيها حدة فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} يعني عبدالله بن جحش وزينب أُخته {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ} قرأ أهل الكوفة وأيّوب بالياء واختاره أبو عبيد قال: للحائل بين التأنيث والفعل، وكذلك روى هشام عن أهل الشام وقرأ الباقون بالتاء.
{لَهُمُ الخيرة} أي الاختيار وقراءة العامّة {الخِيرَة} بكسر الخاء وفتح الياء، وقرأ ابن السميفع بسكون الياء وهما لغتان {مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا مُّبِينًا} فلمّا نزلت هذه الآية قالت: قد رضيت يا رسول الله، وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا، فدخل بها، وساق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دنانير وستين درهمًا وخمارًا وملحفة ودرعًا وأزارًا وخمسين مُدًّا من طعام وثلاثين صاعًا من تمر.
وقال ابن زيد: نزلت هذه الآية في أُمّ كثلوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت أوّل من هاجر من النساء، فوهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: قد قبلتُ، فزوّجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا: إنّما أردنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فزوّجنا عبده فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} الآية.
وذلك أنَّ زينب مكثت عند زيد حينًا، ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى زيدًا ذات يوم لحاجة، فأبصرها قائمة في درع وخمار فأعجبته، وكأنّها وقعت في نفسه فقال: سبحان الله مقلِّب القلوب وانصرف.
فلمّا جاء زيدٌ، ذكرت ذلك له ففطن زيد، كرهت إليه في الوقت، فألقي في نفس زيد كراهتها، فأراد فراقها، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إنّي أُريد أنْ أُفارق صاحبتي. «قال: ما لكَ؟ أرابك منها شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلاّ خيرًا، ولكنّها تتعظّم عليَّ بشرفها وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي عليه السلام: أمسك عليك زوجك واتّقِ الله، ثمّ إنَّ زيدًا طلّقها بعد ذلك، فلمّا انقضت عدّتُها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد: ما أجد أحدًا أوثق في نفسي منك. أئت زينب فاخطبها عَليّ».
قال زيد: فانطلقت، فإذا هي تخمّر عجينها، فلمّا رأيتها، عظمت في صدري حتى ما أستطيع أنْ أنظر إليها حين علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فولّيتها ظهري، وقلت: يا زينب أبشري فإنّ رسول الله يخطبك، ففرحت بذلك وقالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتّى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها وأُنزل القرآن {زَوَّجْنَاكَهَا} فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللّحم حتّى امتد النهار، فذلك قوله عزّ وجلّ: {وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} بالإسلام {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالإعتاق وهو زيد بن حارثة {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} يعني زينب بنت جحش وكانت ابنة عمّة النبي صلّى الله عليه وسلم.